الضمور يعاين المؤثرات الأجنبية في شعر عز الدين المناصرة
صدر ضمن منشورات «إربد العاصمة العربية للثقافة لعام 202» كتاب للناقد د.عماد الضمور بعنوان «المؤثرات الأجنبية في شعر عز الدين المناصرة».
وجاء في مقدمة الكتاب: «لعلّ النزوع إلى العالمية حلم كل مبدع، إذ نتج عن التقارب الحضاري بين الشعوب حالة ممتدة من التأثر والتأثير، بعدما أسهم علم الترجمة والميل لتعلم اللغات الأجنبية إلى فتح قريحة الشعراء العرب في العصر الحديث على قراءة الأعمال الشعريّة الأجنبية بلغاتها الأصلية، أو قراءة المترجم منها، ممّا مدّ جسوراً قوية من التواصل الحضاري لا سبيل إلى تجاهلها، فضلاً عمّا حققه اللقاء المباشر بالمنجز الشعري الغربي من تفاعل إيجابي أثرى التجربة الشعريّة المعاصرة بمضامين جديدة، أبرزت أثراً أجنبياً واضحاً في القص?دة العربية المعاصرة».
وأضاف الضمور في المقدمة: «إن مواكبة الإبداع الأدبي في الوطن العربي، تتطلب بحثاً في مقوماته وروافده الفكرية، ممّا يُبرز أهمية البحث في الآداب العالمية للخروج بتصوّر معرفي، إذ لا يمكن دراسة الشعر العربي المعاصر من دون الوقوف على تفاعلاته الفنية والفكرية مع الآداب الأجنبية».
وأكد الضمور أحقية الأدب العربي في طرق أبواب الآخر، ممّا يقتضي تضافر جهود المقارنين العرب؛ للتعريف بالخصائص الجمالية للأدب العربي، وتفعيل أدوات التبادل الحضاري مع الأمم الأخرى بشكل يحقق الإفادة من علومها وآدابها.
وأوضح أنّ الاهتمام بالدراسات الأدبية المقارنة يحقق قراءة نقديّة أكثر وعيّاً للإبداع الشعري تتجاوز حدود النص ولغته التي كُتب بها، إلى الكشف عن جوانب إبداعيّة أخرى في الآداب العالمية، تشمل الأفكار والنصوص والأنساق.
وأشار إلى أن المتتبع لمسيرة الشعر العربي الحديث يدرك تأثر هذا الشعر بنماذج واسعة من الشعر الأجنبي مع تمسكه بهويته القومية وسعيه إلى ترسيخ مقوماتها محلياً، ومن ثم الانطلاق بها إلى العالمية، وذلك بالالتفات إلى النماذج المشرقة في الأدب العالمي؛ لاكتناه قيمها الفكرية، وخصبها الوجداني، ممّا سمح بحدوث نوع من التفاعل معها تشكّل في بنى لغوية وقيم فكرية ذات روح إنسانية.
وقال الضمور إن الدراسة التي يتضمنها كتابه هذا تهدف إلى الكشف عن المؤثرات الأجنبية في شعر الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة، «صاحب الثقافة الواسعة، التي أسهمت في رفد قصائده بموروث فكري خصب، فضلاً عن اطلاعه على المنجز الشعري العالمي لكبار الشعراء العالميين أمثال: الأميركيين ت. س. إليوت وروبرت فروست، والإسباني فيدريكوغارثيا لوركا، وغيرهم، ممّا أسهم في بروز ملامح تأثر واضح لقصائدهم في شعره».
وأضاف أن المناصرة أدرك أن الوصول إلى العالمية لا يكون إلا بالانطلاق من المحليّة، أي من داخل النص نفسه، وهو بذلك يخالف كثيرا من الدارسين الذين وجدوا أن الوصول إلى العالمية لا يكون إلا بعد الترجمة التي تُعين النصوص الشعريّة على الانتشار عالمياً.
وهذا - بحسب الضمور- ما جعل المناصرة يسعى منذ بداياته الشعريّة إلى ترسيخ الهوية الفلسطينية في النفوس انطلاقاً من فكر حضاري خصب مستدعياً إرث أجداده الكنعانيين وحضارتهم الخالدة ومستلهماً موروث فلسطين وأساطيرها وحكايات شعبها الممزوجة بروح التضحية والفداء.
وأكد أن سعي المناصرة للتأثر بالتجارب الشعريّة الأجنبية بدا واضحاً من خلال محاولته تجاوز المألوف في التشكيل الفني والمضموني لقصائده دون المساس بالهوية القومية التي وضعها نصب عينيه في مشروعه الإبداعي.
وأشار في هذا السياق إلى أن المناصرة يمزج الشعر بالأسطورة التي يُعيد بناءها برؤى المجدد ووجدان العاشق لوطنه وأمته، ممّا جعله يستلهم التراث الشعبي الفلسطيني جاعلاً منه وسيلة لمقاومة سياسة المحتلّ، فكان اشتغاله على المكان الذي أضحى فضاءً لأفكاره، وملاذاً لآماله؛ لينطلق من مدينته الخليل إلى معانقة الرؤى التحررية العالمية مخاطباً الضمير الإنساني باحثاً عن نصير يحاوره، ويستدعي تجاربه وأفكاره التي تشابه أو تقترب من تجربته المعاصرة.
وبيّن الضمور أن معظم الدارسين العرب قد تصدّوا للبحث المقارن في تأثير شاعر أجنبي في آخر عربي، لكن أن يجتمع تأثير أكثر من شاعر أجنبي في شاعر عربي واحد، فهذا «أمرٌ مهم يؤكد البعد الحضاري للإبداع الشعري وأصالته»، وهذا ما حاول الضمور تأكيده من خلال دراسة الأصوات الشعريّة الأجنبية في شعر المناصرة.